الطب النفسي

السادية والنفس البشرية: كيف تؤثر الرغبات والانغماس في التعذيب على السلوك الإنساني

استنتج الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال عام 1658 أن البشر هم مجد الكون وحثالته. فنحن نحب ونكره، نساعد ونؤذي، نمدّ يدنا للمساعدة ونمسك السكين الطاعنة في نفس اليد.

يمكننا تفهّم قيام شخص ما باستخدام العنف للانتقام أو للدفاع عن النفس، ولكن عند إيذائه شخصاً ما لم يقابله بسوءٍ، هنا نسأل: “كيف أمكنك فعل ذلك؟”
بشكلٍ عام، يستند البشر في تصرّفاتهم على فكرة الحصول على المتعة أو على فكرة تجنّب الألم. وإن إيذاء الآخرين يجعلنا نشعر بألمهم، ونحن لا نحب هذا الشعور. وبالتالي هنالك سببان يدفعان الشخص لإلحاق الأذى بالآخرين، إما أنهم لا يشعرون بألم الآخرين أو أنهم يستمتعون بهذا الشعور، وهذا ما سنتناوله في مقالنا: السادية.

ماذا نعني بكلمة السادية؟

هو اضطراب نفسي جنسي يتم فيه إشباع الرغبة الجنسية من خلال إلحاق الألم بشخص آخر. صاغ هذا المصطلح عالم النفس الألماني ريتشارد فون كرافت إيبينغ في أواخر القرن التاسع عشر إشارةً إلى ماركيز دي ساد، وهو أحد النبلاء الفرنسيين من القرن الثامن عشر الذين قاموا بتأريخ مثل هذه الممارسات. غالباً ما ترتبط السادية بالمازوخية، والتي تنتج فيها الاستثارة الجنسية من تلّقي الألم. ومع ذلك، غالباً ما يبحث السادي عن ضحية ليست مازوخية، لأن بعض الإثارة الجنسية تنبع من عدم رغبة الضحية. قد يختلف مستوى ومدى العنف السادي بشكل كبير، من إحداث ألم خفيف غير مؤذي إلى الوحشية الشديدة، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابة خطيرة أو حتى الموت. قد لا يحصل السادي على متعته من إحداث ألم جسديٍّ حقيقيٍّ، بل من المعاناة النفسية والعقلية للضحية.

في نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية لسيجموند فرويد، تُعزى السادية إلى غريزتنا التي تحمينا من الموت وتتجلى في الميول العدوانية الفطرية التي تم التعبير عنها من المراحل الأولى من التطور. على سبيل المثال، أثناء مرحلة عض الفم، يعبّر الرضيع عن السادية من خلال الاستمتاع بالعض.

تحدّ الحوافز الجنسية من مستوى العنف، ولكن في بعض الحالات يصبح الدافع العدواني هو المسيطر ويعبّر السادي عن ميوله العاطفية بطريقة أكثر تطرّفاً. وقد تكون السادية عاملاً في بعض جرائم العنف، لا سيما الاغتصاب والقتل.

ووجب الذكر أن مصطلح السادية يستخدم أحياناً خارج السياق الجنسي لوصف الأفراد الذين يتعمّدون القسوة أو يستمدون المتعة من إذلال الآخرين والسيطرة عليهم في المواقف الاجتماعية. وهذا شكل من الأشكال الأكثر اعتدالاً للسادية، مثل استخدام السخرية المهينة في المحادثة.

لكن، ما السبب؟

السبب الدقيق لهذا الاضطراب غير معروف، وتشمل الأسباب المحتملة ما يلي:

  • يصنع الدماغ مواد كيميائية تؤثر على الأفكار والعواطف والأفعال، وبدون التوازن الصحيح لهذه المواد الكيميائية ستواجه مشاكل في طريقة تفكيرك أو شعورك أو تصرفك. قد يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من امتلاكهم القليل جداً أو الكثير جداً من بعض هذه المواد الكيميائية.
  • الإجهاد يلعب دوراً، فقد تلجأ للسادية في محاولة منك لتجاوز أو التعامل مع سوء المعاملة والضغوط الاجتماعية والمالية.
  • المشاكل العائلية التي واجهتها في طفولتك قد تزيد من مخاطر إصابتك. على سبيل المثال، إساءة معاملتك كطفل، أو النزاعات الأسرية، أو وجود تاريخ عائلي من المرض العقلي.

من أين تأتي السادية؟

لا أحد يعرف حقّاً سبب كون بعض الناس ساديين، فيتكهّن البعض بأن السادية هي تكيّف ساعدنا على ذبح الحيوانات عند الصيد خلال مراحل تطور الحياة البشرية. يقترح آخرون أنه ساعد الناس على اكتساب القوة.
اقترح الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي ذات مرة أن “الأوقات، وليس الرجال، تخلق الفوضى”. ولفهمٍ أفضل، يشير علم الأعصاب إلى أن السادية يمكن أن تكون تكتيكاً للبقاء على قيد الحياة بسبب الأوقات الصعبة. عندما تصبح بعض الأطعمة نادرة، تنخفض مستويات الناقل العصبي السيروتونين لدينا، وهذا يجعلنا أكثر استعداداً  لإيذاء الآخرين لأن الأذى يصبح أكثر متعة وسيزيد من افرازات السيروتونين لدينا.

إذاً، ماهي الأعراض؟

  • الإثارة الجنسية من خلال التسبب في الألم أو الخجل لشريكك. تزداد الإثارة الجنسية الخاصة بك كلما زادت معاناة شريكك.
  • وجود تخيلات أو دوافع أو أفعال تزعجك وتسبب مشاكل خطيرة في المدرسة أو في العمل أو في العلاقات.

كيف يتم التشخيص؟

يعتمد تشخيص اضطراب السادية الجنسية على معايير سريرية محددة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس (DSM-5):

  • يُستثار المريض بشكل متكرر ومكثّف بسبب المعاناة الجسدية أو النفسية لشخص آخر؛ ويتم التعبير عن الإثارة في الأوهام أو الحوافز أو السلوكيات الشديدة.
  • يتصرّف المريض بناءً على دوافعه مع شخص لم يمنحه الموافقة على ذلك.
  • تسبب هذه التخيلات أو الحوافز ضغوطاً كبيرة أو ضعفاً في الأداء في العمل أو المواقف الاجتماعية أو غيرها من المجالات الحياتية.
  • استمرّت الحالة لمدة 6 أشهر أو أكثر.

كيف تعالج السادية؟

عندما تمارس السادية الجنسية مع شركاء غير راغبين، فإنها تشكل نشاطاً إجرامياً ومن المرجح أن تستمر حتى يتم القبض على السادي. ومع ذلك، فإن السادية الجنسية ليست مرادفاً للاغتصاب، وهو مزيج معقد من الجنس والقوة على الضحية. يتم تشخيص السادية الجنسية في أقل من 10٪ من المغتصبين ولكنها موجودة لدى 37% إلى 75% من الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم قتل بدوافع جنسية.

كثيرٌ من الساديين لا يحصلون على المساعدة حتى يتم القبض عليهم وتأمر المحكمة بالعلاج. إذا كنت تعاني من السادية، فاطلب المساعدة قبل أن تتطور الحالة إلى مشكلة أكبر.

يمكن استخدام كل من العلاج النفسي والأدوية لعلاج هذا الاضطراب، وقد تساعد عدة أنواع من العلاج.

  • يساعدك العلاج السلوكي على إدراك أن الطريقة التي تتصرف بها تؤثر على الآخرين وتتطلّب علاجاً فعّالاً.
  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو وسيلة لمساعدتك على تحديد وتغيير وجهات نظرك عن نفسك والعالم والمستقبل. يمكن أن يجعلك العلاج السلوكي المعرفي مدركاً لطرق التفكير غير الصحية، يمكن أن يساعدك أيضًا على تعلم طرق جديدة للتفكير والتصرف.
  • يساعدك العلاج بالتكييف على تعلم ربط الأفكار والأفعال المتعلقة باضطرابك الجنسي بشيء سلبي، مثل الرائحة الكريهة أو فكرة أن يراك أحد. بمرور الوقت، تساعدك الأفكار السلبية على عدم التصرف بناءً على أفكارك الجنسية.

قد تشمل الأدوية هرمونات أو أدوية لتصحيح توازن المواد الكيميائية في دماغك، كلا النوعين من الأدوية يساعدان في تقليل الرغبة الجنسية.

للاطلاع على المنتجات الطبية الخاصة بنا يمكنك زيارة القسم الخاص بالمنتجات من هنا.

لطلب أي منتج الرجاء التواصل على صفحة ال Instagram الخاصة بالموقع أو من خلال ترك تعليق على المقال الخاص بالمنتج.

يمكنك قراءة المزيد من المقالات الطبية وآخر ماتوصل إليه العلم والطب من هنا.

يمكنك التواصل معنا ومشاركة آرائك من هنا.

المصادر:

زر الذهاب إلى الأعلى