الطب النفسي

الوسواس القهري والصحة العقلية وارتباطه بالاكتئاب واضطرابات أخرى

من الطبيعي أن تطلب الطمأنينة من وقت لآخر، فالجميع يحبّ أن يسمع عبارات مشابهة مثل: لقد قمت بعملٍ جيّد! أنا أقدّرك وأحبك. كما أن مطالبة شخص ما بمراجعة عملك أو أخذ رأيه بشأن قرارٍ ما أمرٌ طبيعيٌّ تماماً. ومع ذلك، فإن بعض الناس يبالغون في طلب الطمأنينة. فالسعي وراء الطمأنينة هو أحد الأعراض الشائعة لاضطراب الوسواس القهري (OCD). فتراه يسألك مرةً ومرتين وثلاث مراتٍ وأربعة مرّات: هل أنت بخير؟ هل أمي بصحةٍ جيّدة؟ هل يبدو هذا المقال احترافياً؟

ما هو الوسواس القهري Obsessive-compulsive disorder ؟ 

هو اضطراب شائع ومزمن وطويل الأمد تراود الشخص فيه أفكار متكررة لا يمكنه السيطرة عليها  (الهواجس) و / أو سلوكيات (الإكراه) التي يشعر بالحاجة إلى تكرارها مراراً و تكراراً.

وفي الواقع، معظم الناس لديهم أفكار وسواسية و / أو سلوكيات قهرية في مرحلة ما من حياتهم، لكن هذا لا يعني أننا جميعاً لدينا “بعض الوسواس القهري”. فمن أجل تشخيص الوسواس القهري، يجب أن تكون دورة الوساوس والأفعال القهرية شديدةً لدرجة أنّها تستغرق الكثير من الوقت (أكثر من ساعة كل يوم)، أو تسبب ضغوطًا شديدة، أو تعيق الشخص من القيام بأنشطته اليومية.

قد تحاول تجاهل أو إيقاف الهواجس الخاصة بك، لكن هذا سيزيد من شعورك بالضيق والقلق. وفي النهاية، ستمارس أفعالاً قهريةً لمحاولة تخفيف توترك. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتجاهل الأفكار أو الإلحاحات المزعجة أو التخلص منها، فإنها تستمر في العودة، مما يؤدي إلى المزيد من السلوك القهري وهذه هي الحلقة المفرغة للوسواس القهري.

غالباً ما يتمحور الوسواس القهري حول مواضيع معينة. على سبيل المثال، الخوف المفرط من التلوث بالجراثيم. فلتخفيف مخاوفك من التلوث، قد تغسل يديك قسراً مئات المرات حتى تتألم وتتشقق.

ماذا نعني بالضبط حين نتحدث عن الهواجس والدوافع القهرية؟

يشيع استخدام كلمة “مهووس” في اللغة اليومية، وتعني هذه الاستخدامات غير الرسمية للكلمة أنّ شخصاً ما مشغولٌ بموضوعٍ أو بفكرةٍ أو حتى بشخصٍ ما. أن تكون “مهووساً” بهذا المعنى اليومي لا يعني أن الشخص يعاني من مشاكل في حياته اليومية، بل قد يكون من الممتع كونه “مهووساً”.

على سبيل المثال، يمكنك أن تكون “مهووساً” بأغنية جديدة تسمعها على الراديو، ولكن لا يزال بإمكانك التحضير لامتحانك المقبل، والاستعداد للنوم في الوقت المناسب، وما إلى ذلك، رغم هذا الهوس.

قد يفكر كل شخص منا من وقت لآخر حول إصابته بمرض خطير، أو يقلق بشأن سلامة أحد أفراد أسرته، أو يتساءل عما إذا كان الخطأ الذي ارتكبه قد يكون كارثياً. تبدو هذه الأفكار مشابهة لما قد تراه في اضطراب الوسواس القهري، فيكون لدى شخص ما لا يعاني من الوسواس القهري هذه الأفكار، ويكون قلقًا للحظات، لكنّه يمضي قدماً.

في الواقع، أظهرت الأبحاث أن معظم الناس لديهم أفكار تطفلية غير مرغوب فيها من وقت لآخر. ولكن في سياق الوسواس القهري، تأتي هذه الأفكار المتطفلة بشكل متكرر وتسبب القلق الشديد الذي يعيق سير العمل اليومي.

أمثلة على أفكار وسواسية شائعة:

  • الخوف من التلوث من قبل الناس أو البيئة.
  • أفكار أو صور جنسية مزعجة.
  • الخوف من التعرض للاعتداء أو الأذى (الخوف على النفس أو على الأحباء).
  • القلق الشديد حيال شيء ما لما يكتمل او لم يتم إنهاؤه.
  • الاهتمام الشديد بالترتيب أو التناظر أو الدقة.
  • الخوف من فقدان أو التخلص من شيء مهم.
  • مراودة الشخص أفكار أو صور أو أصوات أو كلمات أو موسيقى بلا معنى.
  • أفكار ومخاوف دينية وإلحادية.

أعراض الوسواس القهري:

تشمل أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية ما يلي:

  1. الكمال لدرجة عدم القدرة على إنهاء المهام.
  2. سلوكيات صارمة أو رسمية.
  3. أن تكون حرصاً للغاية في صرف المال.
  4. تشعر بحاجة ملحة للالتزام بالمواعيد.
  5. الاهتمام الشديد بالتفاصيل.
  6. التفاني المفرط في العمل على حساب أسرتك وعلاقاتك الاجتماعية.
  7. الاحتفاظ بالممتلكات البالية وغير المفيدة لأنك تخشى التخلص منها.
  8. التزام صارم بالقوانين والقواعد واللوائح.
  9. حاجة ماسة للنظام.
  10. التزام صارم بالأخلاق والمبادئ.
الوسواس القهري
نموذج قد يسبب إزعاجاً للمصابين بالوسواس القهري.

كيف يتم تشخيص اضطراب الوسواس القهري؟

الخطوة الأولى هي التحدث مع طبيبك عن الأعراض التي تواجهها . يجب أن يقوم طبيبك بإجراء اختبار وسؤالك عن تاريخك الطبي، ويحتاج إلى التأكد من أن الأعراض لا تسببها مشكلة جسدية لديك. إذا اتضح أنها مشكلة عقلية، فقد يحيلك طبيبك إلى أخصائي الصحة العقلية لمزيد من التقييم أو العلاج.
قد يكون من الصعب أحياناً تشخيص اضطراب الوسواس القهري، حيث تشبه أعراضه أعراض الاضطرابات العقلية الأخرى مثل اضطرابات القلق. ومن الممكن أيضاً أن يكون لديك اضطراب الوسواس القهري واضطراب عقلي آخر.

ليس كل من لديه وساوس أو سلوك قهري مصاب بالوسواس القهري، فعادة ما تدل الأعراض على الوسواس القهري عندما:

  • لا يمكنك التحكم في أفكارك أو سلوكياتك حتى عندما تعلم أنها زائدة عن حدّها.
  • تقضي ساعة واحدة على الأقل يومياً لتفكر في هذه الأفكار أو السلوكيات القهرية.
  • لا تشعر بالسعادة عند أداء السلوكيات القهرية، لكن القيام بها قد يمنحك الراحة لفترة وجيزة من القلق الذي تسببه أفكارك.
  • تواجهك مشاكل كبيرة في حياتك اليومية بسبب هذه الأفكار أو السلوكيات.

عوامل الخطورة:

إن أسباب الوسواس القهري غير معروفة، لكن تشمل عوامل الخطورة ما يلي:

علم الوراثة:

أظهرت آخر الدراسات على التوائم والأسر أن الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى (مثل أحد الوالدين أو الأخ أو الابن) والذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري معرضون بشكل أكبر للإصابة بالوسواس القهري. ويكون الخطر أكبر إذا أصيب قريب الدرجة الأولى بالوسواس القهري عندما كان طفلاً أو مراهقاً. تستمر الأبحاث الجارية في استكشاف العلاقة بين الوراثة والوسواس القهري وقد تساعد في تحسين تشخيص وعلاج الوسواس القهري.

بنية الدماغ وآلية عمله:

أظهرت الدراسات اختلافاً في القشرة الأمامية والتركيبات تحت القشرية لدى مرضى الوسواس القهري، ويبدو أن هنالك علاقة بين الأعراض والتشوهات في مناطق معينة من الدماغ، لكن هذا الارتباط غير واضح إلى الآن. ولا يزال البحث جارياً.

البيئة:

تم الإبلاغ عن ارتباط بين صدمات الطفولة وأعراض الوسواس القهري في بعض الدراسات. وتوجد حاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذه العلاقة بشكل أفضل.
في بعض الحالات، قد يصاب الأطفال بالوسواس القهري أو بأعراضه بعد الإصابة بالمكورات العقدية. وهذا ما يسمى اضطرابات المناعة الذاتية العصبية النفسية للأطفال المرتبطة بالعدوى بالمكورات العقدية Pediatric Autoimmune Neuropsychiatric Disorders Associated with Streptococcal Infections (PANDAS).

 

زر الذهاب إلى الأعلى