اضطراب القلق الاجتماعي: الأسباب والأعراض والعلاج.
إنه اليوم الأول من الفصل الدراسي الجديد، على ما يبدو أنني سأبقى لوحدي بدون أصدقاء.
دائما ما أصل مبكراً لأنني أخاف التأخر عن المحاضرة، لا أحضر في وقت متأخر حتى لا اقتحم المحاضرة فأكون محطّ أنظار الجميع، وعرضة للسخرية من البروفيسور.
منذ وصولي مبكراً، أُحاول أن لا يلفت وجودي انتباه أحد حتى لا اضطر إلى أن أرحِّب بزملائي وأقع في الإحراج.
أعرف ما يفكرون فيه، دائماً ما أكون محل مراقبة.
يتهامسون بينهم: لماذا ليس لديه أي أحد يتحدث إليه ؟
أصل إلى مكان جلوسي في المقدمة وأستمع إلى الثرثرة من حولي.
عادة ما أشغل نفسي في الكتابة وراء البروفيسور في المحاضرة على أمل ألّا يسألني سؤالاً. في بعض الأحيان تنجح الخطة وأتجنب الإحراج، وأحيانا لا تعمل.
أذكر أن مرة من المرات طلب مني البروفيسور ترك القلم والانتباه إليه فخرجت لالتقط ممسحة اللوح وما إن شرعت بالمسح فصرخ فيني قائلاً: لم أطلب منك ذلك، ألا تسمع جيداً؟ تمتمت سريعاً بالرد وتعثرت وكدت أسقط، وقتها ضحك عليّ البروفيسور وجميع زملائي، تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني من فرط الإحراج.
على مر الوقت، كنت عندما أصادفه أشعر بموجة حادة من القلق.
كانت ساقاي تهتزان، و قلبي يخفق بشدة، وراحتيّ تتعرق.
أجلس لوحدي في الاستراحة، وآكل طعامي لوحدي. لا أحد يشاركني المجلس. أحياناً أضجر من فرط العزلة فأتطفل على مجموعة من الزملاء الذين كانوا أصدقائي ولكن لم يعد لدي أي شيء مشترك معهم. أعلم أنهم يتساءلون لماذا أجلس معهم بينما لا أتحدث أبداً. في بعض الأحيان يسألني أحدهم سؤالاً، أبدأ بالحديث معه، ينبض قلبي بصوتٍ عالٍ لدرجة أنني متأكد من أن الجميع يمكنهم سماعه. ترتجف يدي وكذلك صوتي. أجد صعوبة في التقاط أنفاسي. أنا متأكد من أن الجميع يعتقد أنني مجنون.
أنا متأكد من أن الجميع يفتِّشون عن أخطائي.
خارج الجامعة ، لا أشارك أحد في أي نشاط. ليس لدي وظيفة بدوام جزئي مثل معظم الشباب الآخرين لأنني خائف جداً من مواجهة المدير في مقابلة العمل، تمت إقالتي من عملي السابق لأنني كنت أرتبك كثيرا أمام أسئلة الزبائن، فأتمتم بسرعة بالرد. أقضي معظم الليالي وعطلات نهاية الأسبوع في المنزل في القراءة أو أداء الواجبات المنزلية.
هذه القصة خيالية ولا تستند إلى تجارب أحد.
نظرة عامة عن القلق الاجتماعي:
من الطبيعي أن تشعر بالتوتر في بعض المواقف الاجتماعية التي تتطلب مواجهة مع الناس. على سبيل المثال ، قد يؤدي إلقاء عرض تقديمي إلى ألم في معدتك. ولكن في اضطراب القلق الاجتماعي، والذي يدعى أيضاً بالرهاب الاجتماعي، تسبب التفاعلات اليومية قلقاً كبيراً وارتباكاً وشعوراً بالحرج لأنك تخشى أن تكون محلَّ مراقبة أو حكم من قبل الآخرين.
في اضطراب القلق الاجتماعي ، يؤدي الخوف والقلق إلى تجنب الاخرين على نحو يمكن أن يعطل حياتك. يمكن للقلق أن يخرّب عملك، وحياتك.
للقلق الاجتماعي أعراض جسدية و سلوكية:
الأعراض الجسدية:
- احمرار الوجنتين، الارتجاف، التعرق.
- تسارُع ضربات القلب.
- الرغبة في التقيؤ أو ما يعرف بالغثيان.
- صعوبة في التقاط النفس.
- الدوخة أو الدوار.
- توتر العضلات.
الأعراض السلوكية:
- تجنب المواقف التي قد يحكم الناس فيها حكماً سلبياً.
- القلق من أن يحرجك أحدهم أو يهينك أو تتعرض للرفض.
- تجنب المواقف التي يتحتم عليك فيها التواصل مع الغرباء، كالتعامل مع كاشير مطعم أو معلم مدرسة أو غيرهم.
- الخوف من أن يلاحظ الآخرون أنك تبدو قلقاً.
- الخوف من أن يلاحظ الآخرون عليك التعرق وتسرع ضربات القلب وغيرها من الأعراض الجسدية التي تنتابك عندما تقلق.
- الخوف من الأكل والشرب أمام الآخرين.
أسباب القلق الاجتماعي:
يُعزى سبب اضطراب القلق الاجتماعي إلى تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيولوجية والبيئية، وتتضمن الأسباب المحتملة ما يلي:
- وراثياً: شأن اضطراب القلق الاجتماعي شأن الأمراض النفسية أن يكون المصاب عنده استعداد جيني لها.
- بيولوجياً: يوجد في الدماغ بنية تدعى اللوزة تؤثر على قلقنا بعدة طرق مختلفة.
عندما تتنشط اللوزة، يمكن أن تؤدي إلى استجابة القتال أو الهروب أو الخوف. هذه الاستجابة القائمة على الخوف تهدف إلى حمايتنا من أي تهديد أو خطر محتمل قد يكون من حولنا في العالم الخارجي.
عزيزي القارئ دعنا نعود إلى قرون ماضية، عندما عاش أجدادنا في البرية، كانت هذه الاستجابة تُبقيه على قيد الحياة. إذا كان هناك حيوان أو تهديد محتمل يقترب، فإن اللوزة ستؤدي إلى استجابة القتال أو الهروب، مما يسمح للشخص بالهروب من أي خطر محتمل. بدونها، كان من الممكن أن يكون أجدادنا وجبة لمختلف الحيوانات المفترسة في تلك الأيام.
ولكن في مجتمعنا اليوم الحديث المتقدم تقنياً، لم تعد المخاطر الجسدية مثل هجوم الحيوانات البرية تشكل تهديداً كبيراً بعد الآن. هذا هو المكان الذي تنشأ فيه المشكلة.
لا تزال اللوزة تتفاعل كما لو كان هناك تهديد حتى في حالة عدم وجوده.
هذا ما يسبب القلق.
تواجه اللوزة أحياناً صعوبة في التمييز بين تهديد حقيقي و تهديد وهمي.
وبسبب هذا، يعاني الناس من نوبات من القلق بسبب تنبيهات اللوزة المبالغ بها
- بيئياً: قد يكون اضطراب القلق الاجتماعي سلوكاً مكتسباً، فالبعض قد يُصاب به بعد سلسلة من مواقف اجتماعية محرجة. قد ينتج اضطراب القلق الاجتماعي عند الأطفال الذين يكونون أهلهم أكثر سيطرة وحرصاً عليهم في المناسبات الاجتماعية مثل الأعياد.
ما هو علاج القلق الاجتماعي ؟
دوائياً:
قد يصف الطبيب النفسي دواء لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي. تتنوع الأدوية الفعالة في علاج هذا الاضطراب، بين ثلاثة زمر دوائية:
- مضادات الاكتئاب: مثل مثبطات السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبطات السيروتونين و النورأدرينالين (SNRIs).
- حاصرات بيتا.
- الأدوية المضادة للقلق: مثل البنزوديازيبينات.
-تستخدم مضادات الاكتئاب SSRI و SNRI بشكل شائع لعلاج الاكتئاب، ولكنها يمكن أن تساعد أيضاً في علاج أعراض اضطراب القلق الاجتماعي. قد يستغرق الأمر عدة أسابيع لبدء العمل. عادة ما تكون الآثار الجانبية لها غير شديدة، خاصة إذا بدأت الجرعة بشكل منخفض وزادت ببطء بمرور الوقت. استشر طبيبك الخاص عن أي آثار جانبية قد تواجهها.
-يمكن أن تساعد حاصرات بيتا في السيطرة على معدل ضربات القلب السريع والتعرق والارتجاف وغيرها من الأعراض الجسدية للاضطراب. عادة ما تكون حاصرات بيتا هي الدواء المفضل عندما يكون عليك إلقاء عرض تقديمي.
-البنزوديازيبينات: وهي أدوية مهدئة مضادة للقلق، قوية وتبدأ سريعاً في العمل على تهدئة النشاط العصبي وتخفيف أعراض القلق والتوتر. يمكن أن تكون هذه الأدوية ذات تأثير قوي في تقليل القلق. لكن يجب الانتباه إلى أن تناول البنزوديازيبينات يحتاج إلى وصفة طبية، ويجب تناولها بحذر لأنها من الممكن أن تسبب الإدمان والعديد من الآثار الجانبية الأخرى، كما أنها ليست مناسبة للجميع، كما ينبغي استشارة الطبيب قبل إيقاف الدواء لتجنب حدوث أعراض انسحابية خطيرة.
بشكل عام، فإن البنزوديازيبينات يمكن استخدامها بفعالية في علاج القلق الاجتماعي والتوتر النفسي، ولكن يجب استخدامها بحذر وتحت إشراف طبيب مختص، وتجنب الاستخدام المستمر لفترات طويلة.
-قد تتأخر نتائج كل من العلاج النفسي والأدوية للظهور ولكن بنسبة كبيرة ستُشفى إذا التزمت بالخطة العلاجية. كثير من الناس يجربون أكثر من دواء واحد قبل العثور على أفضل دواء لهم. يمكن للطبيب العمل معك للعثور على أفضل دواء وجرعة ومدة العلاج لك.
سلوكياً:
يشيع استخدام العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي.
-يقوم العلاج السلوكي المعرفي على تحديد الأفكار والمعتقدات الخاطئة والسلبية التي تؤثر على سلوك الشخص وتزيد من شعوره بالقلق الاجتماعي، ويهدف إلى تغيير هذه الأفكار والمعتقدات وتحسين سلوك الشخص في المواقف الاجتماعية.
ويتكون العلاج السلوكي المعرفي من عدة جلسات مع المعالج والتي تهدف إلى تعليم المريض مهارات واستراتيجيات تساعده على التعامل مع القلق الاجتماعي، مثل تقنيات التنفس العميق والاسترخاء والتأمل، وتحديد الأفكار الخاطئة وتغييرها إلى أفكار إيجابية ومنطقية، وتعلم مهارات الاتصال الاجتماعي والتواصل مع الآخرين بثقة واحترام.
يعلمك العلاج المعرفي السلوكي طرقاً مختلفة للتفكير والتصرف والتفاعل مع المواقف المقلقة بثقة و أمان أكثر. يمكن أن يساعدك العلاج المعرفي السلوكي أيضا على تعلم وممارسة المهارات الاجتماعية ، وهو أمر مهم جداً لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي. من المهم الانتباه إلى أن CBT يحتاج إلى صبر ومثابرة وانتظام تحت إشراف معالج مختص.
-العلاج بالتعرض: هو طريقة العلاج المعرفي السلوكي التي تركز على المواجهة التدريجية للمخاوف الكامنة وراء اضطراب القلق لمساعدتك على الانخراط في الأنشطة التي كنت تتجنبها. يستخدم العلاج بالتعرض أحياناً جنباً إلى جنب مع تمارين الاسترخاء. يمكن أن يقدم العلاج المعرفي السلوكي الذي يتم تقديمه في شكل علاج جماعي أيضا فوائد فريدة لاضطراب القلق الاجتماعي.
-عزيزي القارئ نأمل أن نكون قدّمنا ما كنت تود معرفته عن القلق الاجتماعي، إلا أن رحلتنا مع هذا الاضطراب لم تنتهِ بعد، فموضوعنا القادم سيكون عن الفرق بين اضطراب القلق الاجتماعي والخجل و الانطوائية، لذلك نأمل أن تظل في خير دائماً.
-يمكنك قراءة المزيد من المقالات الطبية وآخر ماتوصل إليه العلم والطب من هنا.
-يمكنك التواصل معنا ومشاركة آرائك واقتراح علينا مواضيح نتكلم فيها من هنا.
………………………………………………………
المصادر:
://www.nimh.nih.gov/health/publications/social-anxiety-disorder-more-than-just-shyness
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/15963650/#:~:text=The%20role%20of%20the%20amygdala%20in%20human%20fear%3A,a%20subcortical%20brain%20network%20centered%20on%20the%20amygdala.